هل يمكن أن يختفي الموت من قاموس البشرية؟


الموت نهاية حتمية لكل حي، فهو الحقيقة المطلقة والشيء الوحيد المحسوس أمامنا، بعكس الغِنى والفقر والمرض والعلم، فكلها أشياء يمكن أن تأتِ وتذهب، تنتشر بين البعض وتضمحل عند غيرهم.

قد ترى أُناسا أغنياء وعلى النقيض آخرون يعيشون في ظل الفقر ويرزأون أسفله، وقد تكون إحدى الدول متقدمة في العلم والتكنولوجيا وأخرى الجهل ديدنها، قد تجد من يسكن القصور وآخر يستظل بالأشجار، لكن لم نجد أحدا فر من الموت.

المتتبع لمسيرة الحياة منذ القدم وخاصة في العصر الحديث يجد أن نسبة الأموات قلت بصورة كبيرة للغاية، بعد أن كان الموت يُزهق آلاف الأرواح يوميا وليس سنويا، حيث تعددت أسبابه ما بين المرض والحروب وهذين السببين كانا أكثر ما حصد أرواح الخلائق من البشر والحيوانات فضلا عن أمور أخرى كالصراعات الشخصية والانتحار وغير ذلك.


تتبعت أحد الفيديوهات التعليمية على اليوتيوب والتي ذكر فيها المتحدث أنه بحسب مجلة ‘‘ Lifesince ‘‘ توقعت دراسات أجريت في عام 1907 أن يصل عمر الإنسان لـ46 عاما، وفي 1957 أكدت أبحاث أخرى أن متوسط عمر الإنسان سيصل لـ66 عاما، بينما في عام 2007 توقعت أبحاث غيرهما أن يصل عمر الإنسان لـ75 عاما، وارتبطت هذه التوقعات بالتقدم العلمي والطبي، فهل يمكن مع التقدم العلمي أن يزيد عمر الإنسان حتى نفقد الأمل في موته؟.

بمعنى هل يمكن أن ننزع من قاموس البشرية مصطلح ‘‘فلان مات صغيرا‘‘ وهل يمكن أن تصل أعمارنا مرة أخرى لمثل عمر النبي نوح عليه السلام الذي قيل أنه لبث يدعو قومه فقط 950 عاما؟.

من الجيد أن نعلم أن عمر أكبر رجل في العالم بلغ حوالى 146 عاما، وهو شخص إندونيسي توفي في 2017 حيث كانت أمنيته الوحيدة لا تبدو براقة، أو باعثة على الأمل، بعد كل تلك السنوات، التي أثبتت بالأحداث التي عايشها أنها تعدت قرنا و4 عقود، فقد ظن أنه يتمتع "بطول العمر لأن في حياته أناسا يحبونه ويرعونه".

دراسة إحصائية، أجراها "جان فييج"، الباحث في كلية "ألبرت آينشتاين" للطب في نيويورك في عام 2016، أشارت إلى أن أقصى عمر قد يصل إليه إنسان العصر الحديث هو 115 عاما، إلا أن 5 دراسات أجريت حديثا للرد عليها توضح ما إذا كان هناك بالفعل حد أقصى لعمر الإنسان أم لا؟.

بينما كشفت دراسة في جامعة ألبرت آينشتاين للطب في نيويورك أن أقصى عمر يمكن أن يبلغه الإنسان في العصر الحديث هو 125 عاما على الرغم من التطورات الطبية، وحلل الباحثون قاعدة بيانات عن الوفيات البشرية بين عامي 1968 و2006 في 41 دولة، ووجدوا أن التطور في مواجهة الأمراض المزمنة والأمراض المعدية سيزيد من متوسط عمر الإنسان، ولكن إلى حد معين لا يمكن أن يتجاوز المتوسط 125 عاما، لكن الوصول لهذا العمر يعتبر نادر الحدوث وتقدر نسبته بأقل من واحد لكل عشرة آلاف شخص.

التقديرات التي قامت عليها البحوث والتي وضعت عمرا للإنسان هي أرقام قائمة على نسبة العلم والقضاء على الأمراض ومحاولة الحد من الوفيات التي كانت تحدث بشكل كبير في الآونة الأخيرة فبعض الدول كانت نسبة موت الأطفال بها تصل لـ40% ، أي بمعدل وفاة طفلين من كل 5 مواليد.

فضلا عن أن الأمراض الفتاكة حالت دون وصول الإنسان لأعمار متقدمة فقد قضت على الملايين عبر العصور، فالطاعون أحد هذه الأمراض كان يبيد قرى بأكملها، والإنفلونزا الإسبانية قتلت ما يربو على 50 مليون شخص.

فهل مع التقدم العلمي ووصول نسبة المواليد لأفضل المراحل ووصول نسبة موت الأطفال لأقل من 1% واختفاء أمراض فتاكة كانت تُودي بأرواح العشرات فضلا عن قلة الحروب التي كانت تمكث بالسنوات كالحرب العالمية الأولى والثانية، هل يمكن الاستبشار بحياة أطول للبشر؟، وهل يمكن ان يتحقق ذلك في ظل ما قاله الدكتور ستيفن بينكر بجامعة هارفرد بأن هذه التوقيت الذي نحياه هو أكثر وقت مسالم في تاريخ البشرية.

الشيخوخة لا تتوقف

هذه الأسباب التي اختفت والتي قضت على البشرية في وقت من الأوقات، يقابلها في هذا التوقيت داء عضال يحول دون الوصول لهذه الأمنية التي يتمناها الكثيرون وهي ما ينطبق عليها المثل القائل ‘‘تأت الرياح بما لا تشتهن السفن‘‘ أنها الشيخوخة.

فرغم التطور الهائل الذي يشهده طبّ مكافحة الشيخوخة، إلا أن التقدم في العمر هو أمر لا يمكن إيقافه حسبما أكد الطبيب جلال عثمان أخصائي أمراض الدماغ والأعصاب في برلين في حديث له مع DW، فالشيخوخة حسب تعريفه "هي عملية حيوية تصيب الخلايا بمرور الزمن فتصبح غير قادرة على الانقسام والتجدد ذاتيا" ما يزيد نسبة الإصابة بالأمراض بسبب عدم قدرة الخلايا على إصلاح ما أصابها من خلل.

تلك المعلومات التي ذكرها الطبيب تعرض لها علماء من قبل حيث كانوا يقومون بعملية على الفئران وذلك في القرن الـ19 تسمى هذه العملية ‘‘parabiosis‘‘ وكانت تعتمد على خلط جسمين ببعضهما بمعنى خلط دماء الجسمين لفأر كبير في السن وآخر شاب، كان العلماء يرون تغيرا في جسد الفأر العجوز وكانه كان يعود شابا.

كما قامت دراسة في جامعة كمبردج باختبار دماء الشباب ووجدوا انها تساعد في شفاء أمراض العمود الفقري، أيضا دراسة في جامعة هارفرد وجدت أن دماء الشباب يعالج الخلايا العصبية، لذلك لجا العلماء إلى عمليات الخلايا الجزعية لعلاج بعض الأعضاء في الجسم المعرضة للتلف وهو ما يزيد من افتراضية زيادة عمر الإنسان.

عودة دراكولا ‘‘مصاص الدماء‘‘

الأفلام التي كنا نشاهدها والتي كانت تتحدث عن دراكولا ومصاص الدماء أصبحت حقيقة واقعة الآن، رغم أن دراكولا لم يعد للحياة، إلا أن هناك مَنْ يشتري دماء المراهقين بسعر 6.200 جنيه إسترليني (7936 دولاراً) للجرعة الواحدة بعد أن ادعت شركةٌ أمريكية أنها ربما تحمل خصائص مُقاوِمة للشيخوخة.

وخضع أكثر من 100 شخصٍ لتجارب سريريةٍ في شركة أمبروسيا - Ambrosia، وهي شركةٌ ناشئة في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية أسَّسَها طبيب يدعى جيسي كارمازين الذي تدرَّب في جامعة ستانفورد، وفق ما ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية.

حيث يُحقَن هؤلاء الأشخاص بلترين ونصف من بلازما الدم، وهو المُكوِّن السائل المتبقي من الدم بعد نزع الخلايا الأخرى منه، حسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية، يقول الطبيب كارمازين لصحيفة الصنداي تايمز ‘‘إن العلاج 'يشبه إجراء جراحةٍ تجميلية داخلية تؤثر على الشكل الخارجي‘‘.

وأضاف: يمكن أن يسهم العلاج في تحسين أمورٍ مثل الشكل الخارجي أو داء السكري أو وظائف القلب أو الذاكرة، وتابع، لا أقف في معسكر الأشخاص الذين يقولون إن هذا الشيء سيمنحك الخلود، لكن أعتقد أنه يقترب من هذا الهدف إلى حدٍ كبير.

وللحقيقة حذر باحثون من أن إجراءات التجارب السريرية التي قامت بها الشركة مؤكدين أنها غير مُثبَتةٍ علمياً، ومن غير المُرجَّح أنها ستُوفِّر الأدلة الطبية الكافية لدعم مزاعم كارمازين.

هندسة الأنسجة

وبالتوازي مع هذه المستجدات العلمية استفاد العلماء من علم الخلايا وعلم الهندسة الطبية الحيوية وعلم المواد الحيوية والكيمياء الحيوية لاستبدال أو معالجة وظائف نسيج حيوي معين. الحيوية للأنسجة الحيوية المختلفة (العظام، الجلد ،الخلايا الجذعية.. إلخ).

فقد قام أحد الأطباء بالمعهد المسؤول عن جائزة نوبل بالسويد، بعمل حنجرة بأنسجة هو من قام بتصنيعها، الفكرة تقوم على إنتاج العضو ثم تغطيته بخلايا الجسم حتى يتم تفادي مهاجمته من قبل الجهاز المناعي للإنسان وهو تطور أحدث ثورة في هذا المجال.

في النهاية، رغم وجود الأدوية المضادة للأمراض والأدوية القاتلة للأمراض وتوقف الحروب وزيادة نسبة المواليد ووجود العلم الحديث الذي ابتكر فكرة الخلايا الجزعية وهندسة الأنسجة، وتواجد بعض التركيبات الطبية التي تؤخر الشيخوخة، لكن قضية الموت هي قضية حتمية وهي سنة كونية لا مفر منها وهي الشيء الذي اتفقت عليه كافة الأديان السماوية وحتى الاعتقادات الفردية وحتى الملحدين أقروا بذلك، وقد حسمه رب العزة سبحانه في كتبه ‘‘إنك ميت وإنهم ميتون‘‘ وقال تعالى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون‘‘ وما يدل على حقيقته أن الشعر الأبيض الذي يدل على اقتراب عمر الإنسان لا أحد يعلم حتى الآن ما هي مسبباته.










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بخل «الأسايطة والدمايطة» صنعة أم عادة ؟

عندما عيرتني زوجتي!

ماذا أصابك يا وطن!